فصل: أخبار ابن مردنيش الثائر بشرق الأندلس.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.أخبار ابن مردنيش الثائر بشرق الأندلس.

كان بلغ عبد المؤمن وهو بأفريقية أن محمد بن مردنيش الثائر بشرق الأندلس خرج من مرسية ونازل جيان وأطاعه واليها محمد بن علي الكومي ثم نازل بعدها قرطبة ورحل عنها وغدر بقرمونة وملكها ثم رجع إلى قرطبة وخرج ابن بكيت لحربه فهزمه وقتله فكتب إلى عماله بالأندلس بفتح أفريقية وأنه واصل إليهم وعبر إلى جبل الفتح واجتمع إليه أهل الأندلس ومن بها من الموحدين ثم رجع إلى مراكش وبعث عساكره إلى الجهاد ولقيهم الطاغية فهزموه وتغلب السيد أبو يعقوب على قرمونة من يد ابن همشك صهر ابن مردنيش وكان السيدان أبو يعقوب صاحب أشبيلية وأبو سعيد صاحب غرناطة ارتحلا لزيارة الخليفة بمراكش فخالف ابن همشك إلى مدينة غرناطة وعلا ليلا بمداخلة من بعض أهلها واستولى عليها وانحصر الموحدون بقصبتها وخرج عبد المؤمن من مراكش لاستنقاذها فوصل إلى سلا.
وقدم السيد أبا سعيد فأجاز البحر ولقيه عامل أشبيلية عبد الله بن أبي حفص بن علي ونهضوا جميعا إلى غرناطة فنهض إليهم ابن همشك وهزمهم ورجع السيد أبو سعيد إلى مالقة وردفه عبد المؤمن بأخيه السيد أبي يعقوب في عساكر الموحدين ونهضوا إلى غرناطة وكان قد وصلها ابن مردنيش في جموع من النصارى مددا لابن همشك فلقيهم الموحدون بفحص غرناطة وهزموهم وفر ابن مردنيش إلى مكان في المشرق ولحق ابن همشك بجيان فنازله الموحدون وأقبل السيدان إلى قرطبة فأقاما بها إلى أن استدعي السيد أبو يعقوب بمراكش سنة ثمان وخمسين وخمسمائة لولاية العهد والادالة به من أخيه محمد فلحق بمراكش وخرج في ركاب أخيه الخليفة عبد المؤمن لما نهض للجهاد وأدركته المنية بسلا في جمادى الأخيرة من هذه السنة ودفن بتينملل إلى جانب المهدي والله أعلم.

.دولة الخليفة يوسف بن عبد المؤمن.

لما هلك عبد المؤمن أخذ البيعة على الناس السيد أبو حفص لأخيه أبي يعقوب بانفاق من الموحدين كافة ورضا من الشيخ أبي حفص خاصة واستقل في رتبة وزارته ورجعوا إلى مراكش وكان السيد أبو حفص هذا وزيرا لأخيه عبد المؤمن واستوزره عند نكبة عبد السلام الكومي فرجعه من أفريقية سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
وكان أبو علي بن جامع متصرفا بين يديه في رسم الوزارة إلى أن هلك عبد المؤمن فأخذ أبو حفص البيعة لأخيه أبي يعقوب ثم هلك إثر وفاة عبد المؤمن ابنه السيد أبو الحسن صاحب فاس والسيد أبو محمد صاحب بجاية في طريقه إلى الحضرة ثم استقدم أبو يعقوب السيد أبا سعيد من غرناطة سنة ستين وخمسمائة فقدم ولقيه السيد أبو حفص بسبتة.
ثم صرح الخليفة أبو يعقوب معه أخاه السيد أبا حفص إلى الأندلس في عسكر الموحدين لما بلغه أن إلحاح ابن مردنيش على قرطبة بعد أن احتشد معه قبائل العرب زغبة ورياح والأثبج فأجاز البحر وقصد ابن مردنيش وقد جمع جموعه وأولياءه من النصارى ولقيتهم عساكر الموحدين بفحص مرسية فانهزم ابن مردنيش وأصحابه وفر إلى مرسية من سبتة ونازله الموحدون بها ودوخوا نواحيه وانصرف السيد أبو حفص وأخوه أبو سعيد سنة إحدى وستين وخمسمائة إلى مراكش وخمدت نار الفتنة من ابن مردنيش وعقد الخليفة على بجاية لأخيه السيد أبي زكريا وعلى أشبيلية للشيخ أبي عبد الله بن إبراهيم.
ثم أدال عنه بأخيه السيد أبي إبراهيم وأقر الشيخ أبا عبد الله على وزارته وعقد على قرطبة لأخيه السيد أبي إسحق وأثر السيد أبا سعيد على غرناطة ثم نظر الموحدون في وضع العلامة في الكتوبات بخط الخليفة فاختاروا الحمد لله وحده لما وقفوا عليها بخط الإمام المهدي في بعض مخاطباته فكانت علامتهم إلى آخر دولتهم والله تعالى أعلم.

.فتنة غمارة.

وفي سنة اثنتين وستين وخمسمائة تحرك الأمير أبو يعقوب إلى جبال غمارة لما كان ظهر بها من الفتنة التي تولى كبرها سبع بن منغفاد ونازعهم في الفتنة صنهاجة جيرانهم فبعث الأمير أبو يعقوب عساكر الموحدين لنظر الشيخ أبي حفص ثم تعاظمت فتنة غمارة وصنهاجة فخرج إليهم بنفسه وأوقع بهم واستأصلهم وقتل سبع بن منغفاد وانحسم داؤهم وعقد لأخيه السيد أبي علي بن الحسن على سبتة وسائر بلادهم.
وفي سنة ثلاث وستين وخمسمائة اجتمع الموحدون على تجديد البيعة واللقب بأمير المؤمنين وخاطب العرب بأفريقية يستدعيهم إلى الغزو ويحرضهم وكتب إليهم في ذلك قصيدة ورسالة مشهورة بين الناس وكان من إجابتهم ووفودهم عليه ما هو معروف.

.أخبار الأندلس.

لما استوسق الأمر للخليفة أبي يعقوب بالعدوة وصرف نظره إلى الأندلس والجهاد واتصل به ما كان من غدر العدو دمره الله بمدينة ترجالة ثم مدينة يابرة ثم حصن شبرمة ثم حصن جلمانيه ازاء بطليوس ثم مدينة بطليوس فسرح الشيخ أبا حفص في عساكر من الموحدين احتفل في انتقائهم وخرج سنة أربع وستين وخمسمائة لاستنقاذ بطليوس من هوة الحصار فلما وصل إلى أشبيلية بلغه أن الموحدين وبطليوس هزموا ابن الرنك الذي كان يحاصرهم بإعانة ابن ادفونش وأن ابن الرنك تحصل في قبضتهم أسيرا وفرجوا ندة الجليقي إلى حصنه فقصد الشيخ أبو حفص مدينة قرطبة وبعث إليهم إبراهيم بن هشمك من جيان بطاعته وتوحيده ومفارقته صاحبه ابن مردنيش لما حدث بينهما من الشحناء والفتنة فألح عليه ابن مردنيش بالحرب وردد إليه الغزو فبعث إلى الشيخ أبي حفص بطاعته.
وكان الشيخ أبو حفص في عساكر الموحدين فنهض من مراكش سنة خمس وستين وخمسمائة وفي جملته السيد أبو سعيد أخوه فوصل إلى أشبيلية وبعث أخاه أبا سعيد إلى بطليوس فعقد الصلح مع الطاغية وانصرف ونهضوا جميعا إلى مرسية ومعهم ابن هشمك فحاصروا ابن مردنيش وثار أهل لورقة بدعوة الموحدين فملكها السيد أبو حفص ثم افتتح مدينة بسطة وأطاع ابن عمه محمد بن مردنيش صاحب المرية فحص بذلك جناحه.
واتصل الخبر بالخليفة بمراكش وقد توافت عنده جموع العرب من أفريقية صحبة أبي زكريا صاحب بجاية والسيد أبي عمران صاحب تلمسان وكان يوم قدومهم عليه يوما مشهودا فاعترضهم وسائر عساكره ونهض إلى الأندلس واستخلف على مراكش السيد أبا عمران أخاه فاحتل بقرطبة سنة سبع وستين وخمسمائة ثم ارتحل بعدها إلى أشبيلية ولقيه السيد أبو حفص هنالك منصرفا من غزاته وكان ابن مردنيش لما طال عليه الحصار ارتاب ففتك بهم وباد أخوه أبو الحجاج وهلك هو في رجب من هذه السنة ودخل ابنه هلال في الطاعة وبادر السيد أبو حفص إلى مرسية فدخلها وخرج هلال في جملته وبعثه إلى الخليفة بأشبيلية.
ثم ارتحل الخليفة غازيا إلى بلاد العدو فنازل رندة أياما وارتحل عنها إلى مرسية ثم رجع إلى أشبيلية سنة ثمان وستين وخمسمائة واستصحب هلال بن مردنيش وأصهر له في ابنته وولى عمه يوسف على بلنسية وعقد لأخيه السيد أبي سعيد على غرناطة.
ثم بلغه خروج العدو إلى أرض المسلمين مع القومس الأحدب فخرج للقائهم وأوقع بهم بناحية قلعة رياح وأثخن فيهم ورجع إلى أشبيلية وأمر ببناء حصن القلعة ليحصن جهاتها وقد كان خرابا منذ فتنة أبي حجاج فيه مع كريب بن خلدون بمدة أزمان المنذر بن محمد وأخيه عبد الله من أمراء بني أمية.
ثم انتقض ابن أذفونيش وأغار على بلاد المسلمين فاحتشد الخليفة وسرح السيد أبا حفص إليه فغزاه بعقر داره وافتتح قنطرة بالسيف وهزم جموعه في كل جهة.
ثم ارتحل الخليفة من أشبيلية راجعا إلى مراكش سنة إحدى وسبعين وخمسمائة لخمس سنين من إجازته إلى الأندلس وعقد على قرطبة لأخيه الحسن وعلى أشبيلية لأخيه علي وأصاب مراكش الطاعون فهلك من السادات أبو عمران وأبو سعيد وأبو زكريا وقدم الشيخ أبو حفص من قرطبة فهلك في طريقه ودفن بسلا.
واستدعى الخليفة أخويه السيدين أبا علي وأبا الحسن فعقد لأبي علي على سجلماسة ورجع أبو الحسن إلى قرطبة وعقد لابني أخيه السيد أبي حفص: لأبي زيد منهما على غرناطة ولأبي محمد عبد الله على مالقة وفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة سطا بذرية بني جامع وغربهم إلى ماردة وفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة عقد لقائم بن محمد ين مردنيش على أسطوله وأغزاه مدينة الأشبونة فغنم ورجع وفيه كانت وفاة أخيه السيد الوزير أبي حفص بعدما أبلى في الجهاد وبالغ في نكاية العدو.
وقدم ابناه من الأندلس وأخبر الخليفة بنتقاض الطاغية واعتزم على الجهاد وأخذ في استدعاء العرب من أفريقية والله تعالى أعلم.